البيشمهندس يكتب ….أمل
جلس “شريف” على مقعد معدني صغير، يحمله معه دائما ضمن معدات الصيد التي يحملها مساء كل خميس من عطلته الاسبوعية، ومن خلال مكانه المعتاد على شط النيل بالقرب من مكان المعدية النيلية التي تربط بين ضفتي النهر ببلدته القديمة، اعتاد تأمل المعدية وهى تحمل تطلعات وهموم البشر وتتناقلها ببطء بين ضفتي النهر.
سرعان ما ارتفعت الاصوات من ذلك الراديو الصغير، الذى مازال يُصر على أن يكون رفيق جِلسته بدلا من تليفونه المحمول، صيحة العصر حاليا،
انسابت برفق تلك الكلمات التي عصفت بكيانه، وتحجرت الدموع في مقلتيه وأبت ألا تتساقط، “حمل الزهور إلىَّ، كيف أرده و صباي مرسوم على شفتيه”.
يا الهى، لقد كانت أيام صباها هي أجمل أيامى، كم كنت أتعمد إغضابها لتحمر وجنتاها وتنتفض معرضة بدلال وأُنوثة، فأعود لمصالحتها، وابتسم من غضبها البريء، لقد رسمت صباها على شفتي، فهل ستقبلني حقا حين أعود حاملاً الورود اليها، لا أدرى لم هي الايام قاسيةٌ على الجميع ؟، تطيح بكل ما تطاله الى متاهة واسعة تحوى ملايين التائهين، فلا نملك حيالها غير أن نُسلِم بالنصيب.
ترتعش الصنارة في يد “شريف” فلا يدرى هل الرعشة من صيد عالق بالصنارة، أم من يده هو، لكنه على أية حال لن يدع صنارته تذهب من يده كما ذهبت “أمل”، لسوف يـُحكم قبضته هذه المرة، ولكن ما الفائدة فلم تعد “أمل” صيده الذى ينتظره، ولم يعد لديه شيء منها غير الذكريات.
بينما هو غارق في عالمه، سمع ذلك الصوت الذى لا ينساه ولا تخطئه أذناه،
يا الهى، إنها هي.
تغيرت الملامح، وقد كساها حزن السنين، غابت عيناها الجميلتان وسط سحابة سمراء من الارهاق والألم، تسارعت نبضات قلبه، وتجمدت الدموع في عينيه وهى تتابعها، وقد أحاط بها صبى وشاب عشريني الطلعة، يشبهانها الى حد كبير، تسمرت قدماه، فهل يُسرع الخطى خلفها، وماذا لو رفضت استقباله ومخاطبته، لن يلومها فهي لا تدرى كم تعذب حين تركها مُرغما ومضى، يحاول جاهدا كبح دموعه، ابتسم بمرارة حين لمحها تنظر اليه، تحركت شفتاه ببطء وصمت ولهفة وهى تنطق باسمها.
أخرجه من عالمه ذاك صوت صديق، داهمه ليشاطره جلسته تلك، وقال بعد ما رآه وقد تجمدت عيناه تجاه المعديه وهى ذاهبة الى الشاطئ الاخر المقابل “يا صاحبي المعدية راحت خلاص إمسك الصنارة أحسن تروح هي كمان” لم تترك عينا “شريف” الظلال البعيدة للمعدية وهى تمضى متثاقلة، ولكنه أجاب صاحبه قائلا “صحيح المعدية راحت يا صاحبي، بس لسه في أمل ترجع تانى.