أهم الأخبارمقالات

أشرف غراب يكتب: السياحة العالمية.. خبطتين فى الراس…!

بقلم: أشرف غراب نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية بجامعة الدول العربية

فيلمٌ هليوودى نرى أحداثه تدور منذ نحو ثلاثة أعوام فى القطاع العالمى الأبرز، ألا وهو القطاع السياحى، الذى يُعدُّ لدولٍ فى أوروبا وأيضًا الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا، مصدرًا حيويًا قويًا للدخل والناتج الاقتصادى المحلى، إذ مع بدء انتشار فيروس كورونا عام 2019، والإجراءات الاحترازية الصارمة التى اتخذتها الدول، أخصُّها الإغلاق ومنع الاختلاط والتجمعات، والانعزال والتكمُّم، والابتعاد عن الأنفاس قدر المستطاع، هبط قطاع السياحة العالمى هبوط الدورة الدموية فى جسم الإنسان، ليقترب من عِداد الأموات، ويكون الأسوأ حالًا ومآلًا، ويبحث عمن يُنقذه من شبح الموت، وأخذ فى التدهور إلى أن بلغ حالةً يُرسى لها عندما اشتدت الأزمة الكوفيدية لتضرب معها قطاعًا تلو الآخر، لعل أهمها الصحى الذى انهار تمامًا فى بلدانٍ، ناهيك عن التعليم والنقل وبقية القطاعات تباعًا حتى نهاية عام 2020، ثم بدء الانفراجة باللقاحات والعقاقير فى التالى له، وتخفيف القيود.

فى مطلع عام 2022، وخاصة الأشهر الأولى منه، بدأ القطاع السياحى يعود للبعث من جديد، بارتفاع عدد السياح الدوليين، بعدما رُفعت القيود من نحو 45 وِجهة عالمية أغلبها فى أوروبا، مع تحفُّظٍ فى البقية الباقية دوليًا، باتباع الإجراءات مع التراخى فى القيود قليلًا، والسماح بالسفر دون شهادة صحية أو إجراء تحليل بى سى آر، لتُعلن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بإسبانيا عن ارتفاع عدد السياح الدوليين لنحو 182% على أساس سنوى بالربع الأول من العام الجارى عن العام المنصرم، ليبلغ تعداد السائحين الدوليين 117 مليونًا فى الثلاثة أشهر الأولى من هذا العام، وأن الزيادة فى أمريكا 117%، وأوروبا 280%، بعد تراجعٍ منذ عام 2019، بلغ فى واشنطن 46%، وأوروبا 43%.

 

بالطبع أخذ القطاع السياحى ينشط فى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، ويتزايد تعداد السياح الدوليين، لكن ليس كما هو حاصلٌ الدول الأوروبية وأمريكا، نتيجة السياسة التحفُّظية فى الإجراءات الوقائية حتى اللحظة، وإن كانت غير التى تم انتهاجها من قبل من القوة والصرامة، إلا أنها جعلت الزيادة لا تصل للمستوى المأمول، لتكون فى مطلع العام الجارى بالنسبة للشرق الأوسط 132%، و64% فى آسيا، و96% بأفريقيا مقارنة بالعام 2021، وهو ما يدق ناقوس الخطر، خاصةً مع تأجُّج الصراعات العالمية اليوم كالحرب الروسية الأوكرانية، التى ربما تُعيد القطاع الأهم لكبوته مرةً أخرى، فى ظل ظهور عوامل أخرى تُضاهى قيود كورونا مثل المخاطر الاقتصادية الحالية لتأثير الحرب القائمة بين الجارتين الشرقيتين، وارتفاع تكاليف الوقود والتنقُّل والإقامة، وهو ما يقود إلى إيقاف نشاط تعافى القطاع، ويهوى بما حقَّقه فى الآونة الأخيرة من تحسُّنٍ ملحوظ بالأرقام والإحصائيات.

 

لا شك أن دولنا العربية والإسلامية تحظى بالنصيب الأوفر من الروافد السياحية، التى تُعدُّ بحقٍ كنوزًا لو أُحسن إدارتها واستغلالها، لما تُدر من عملة صعبة فى أجواء اقتصادية عالمية ارتفع فيها ثمن الخبز عن قيمة الذخيرة والآلات، وباتت المجاعة تبطش فى البقاع المُنهكة مع اشتداد وطيس الحرب بين الكبار، وإعادة تشكيل خريطة العالم من جديد، لذلك وبنظرة تأمُّلية تجد مصر فيها من المعالم السياحية الفرعونية والإسلامية والقبطية وغيرها ممن مرُّوا عليها، وأيضًا السعودية والكويت والإمارات ولبنان وغيرها، ما يحتاج لإعادة ترتيب البيت من الداخل، لنُعلى من أهمية وعراقة ومصدر دخل القطاع السياحى لدينا، ولنُعلن مع الأثر التاريخى عن الزيارة للمعابد والبقاع والأضرحة والأديرة والمساجد الأثرية التى تمتاز، بالإضافة للطابع الأثرى، بالجانب الروحى الذى هو أكثر طلبًا للنفوس البشرية، وإقبالًا عليها، ووضع الخطط والبرامج للتطوير وتخصيص رحلات مفتوحة لجميع الأطياف والجنسيات العالمية للزيارة، بغض النظر عن الديانة واللغة والجنس، لكونها حضارات وأديان جاءت لهداية الناس كافة، ومن حق الجميع أن يتعرَّف عليها عن قُربٍ، ويرى إرثها الحضارى، وأثرها النفسى والروحى، ربما تكون أكثر الطرق اتباعًا للتقارب وطرد التطرُّف والإرهاب، ومن جهة أخرى الأقدر على جلب العملة الصعبة لبلادٍ تبحث عن مصادر دخلٍ شعوبها فى أمسِّ الحاجة إليها.

 

التفكير خارج الصندوق مطلوبٌ إذا ما تحدَّثنا عن القطاع السياحى العربى والإسلامى فى الوقت الراهن، خاصةً أننا نُسيطر ونمتلك منها ما لا يمتلكه ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، واللعب على وتر السياحة الدينية من الذكاء بمكانٍ، لانتشال القطاع الاثمن من كبوته، إلى جانب الكنوز الأخرى، ولنُحسن استغلال ما وهبه الله لنا، لأننا فى أشد الحاجة لهذا الأمر اليوم، لكى نخرج من عُنق الأزمات المُتتابعة، التى ليس لنا من ذنبٍ فيها، غير أننا نعيش على أرض يتصارع سكانها بالمال والقوة والإمكانات والامكانيات الاقتصادية، والغلبة لمن يستطيع استغلال موارده وجعلها أداة غلبة فى وجه من يُحاول إخضاعه وإذلاله، وليس هناك من مجالٍ متوافر لدينا أكبر من هذا القطاع الحيوى الذى ورثناه عن آبائنا وأجدادنا وحضاراتنا الممتدة عبر الأزمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى