تحقيقات وحوارات

التسعينات تعتقل ملوي داخل بؤرة الإرهاب

تحقيق: دعاء علي

شهدت الدولة المصرية صدامات مع الجماعة الإرهابية، إبان تسعينات القرن الماضي، نتيجة لبعض الممارسات العنيفة من قِبل عناصر الجماعة ضد المواطنين والشرطة، لاسيما بمدينة ملوي وقراها جنوب محافظة المنيا، الأمر الذي ترتب عليه قتل ومصرع الكثير منهم والمواطنين وكذلك بعض أفراد الشرطة، وتلك الجماعة اعتمدت على الاستدراج واتباع أسلوب الدماثة والرخص تحت ستار الدين، حتى تحول ضحاياهم ممن اقتنعوا بفكرهم، إلي نشر الفكر العدواني على الدولة.

-نشأتها وأماكن تجمعها
قال المؤرخ ” م . س”: ظهرت الجماعات الإسلامية في مدينة ملوي منذ أول الثمانينات تقريبا، وكان ظهورها وازدهارها في أواخر الثمانينات، وكان أمير جماعتها الذي عرف وقت ازدهارها، هو أحمد فرغل، وأماكن تجمعهم مسجد الشيخ عيسى بشارع المدارس، وقاموا برفع الضريح وإلغائه من مكانه.

– معاملات الجماعة
أوضح المتحدث ذاته: كانت معاملات الجماعة الإسلامية مع الناس معاملة طيبة وحسنة، وكان يزداد عدد الجماعات دائما وابدأ لكنها كانت لا تقبل بين أهم أعضائها إلا من يصلح لفكرهم على حسب تقييمهم، حيث كان يدخلها الكثير من طوائف الشعب بكل ثقافتهم المختلفة ودرجاتهم الاجتماعية، من الأطباء إلى الباعة الجائلين، ومن عملهم أدنى من ذلك، وكان كل اهتمامها الدعوة والتمسك بالكتاب والسنة، وظهرت بمظهر طيب في صورة حسنة للثياب الأبيض النظيف وإطلاق اللحى ووضع السواك في الجيب العلوي على الصدر ، والحث على إسدال الخمار للسيدات وأيضا النقاب، وتعليم قراءة القرآن الكريم.

أضاف: بينما قاموا بمسيرات دينية رائعة تطوف البلد لجمع المصليين لإقامة شعائر صلاة عيد الفطر، وأيضا الأضحى بالإستاد الرياضي بمدينة ملوي ، فصار لهم قوة وهيبة لا يستهان بها لذلك أقبل عليهم الكثير من الناس وخاصة الشباب، فمنهم من أقبل على الدين والدعوة، ومنهم للقوة والنفوذ، ولكن هذا الأمر بعث فيهم الغرور والسلطة والنفوذ ومن بعد ذلك بدؤا في التجاوز وسوء الفكر وخروجهم عن المنهج الديني والتربوي، بالتدخل فيما لا يخصهم من تغيير المنكر بالمعاقبة، والتي هي من حق ولي الأمر في الأصل، سواء في المنازل أو في مجالات التعليم أو السلطة التنفيذية.

– تغيير المنكر بالقوة
تابع:  ولكن الجماعات صارت تستخدم التغيير باليد بدلا من اللسان والقلب، وصاروا يستخدمون الجنازير والسلاسل في معاقبة الناس، لتغيير العنف وهذا الفعل السيئ أرداهم في حفرة الإرهاب وكره الناس لهم، ومن بعض الأمثلة على ذلك إذا راءوا اثنان  “شاب وفتاة”،  أرادوا ضربهم بالجنازير والسلاسل، فان خاف الشاب والفتاة ضربوهم، وإن قاوموا معهم صاروا معهم إلى منزل أحدهم فان اتضح أنه زوجها أو أخيها تركوهم، وإلا صرخوا فيهم وضربوا بعضهم وهذا اقل ما يقال في تغيير المنكر في ثقافتهم آنذاك، وكانوا إذا دخلوا مكان مثل المشفى لن يلتزموا بقوانين المكان، بل يدخولوه ولا يستطيع أحد منعهم، وهكذا جميع الأماكن يقتحموها عنوة، حتى قسم الشرطة لزيارة مسجون أوغير ذلك.

استطرد المؤرخ: أيضا من سوء فكرهم، كان من يدخل بينهم لا يستطيع تركهم، وإلا فيعتبرونه مرتد ويقيمون عليه الحد أو يباح سفك دمه، وكذلك يعتبرون كل من يعمل بالحكومة كافر، محرمين بذلك ومرتباتها، ومنهم من ترك عمله بسبب هذه الفتوى، وكان لهم لقاء أسبوعي بمسجد الشيخ عيسى بشارع المدارس  يأتيه الناس من القرى المجاورة لمدينة ملوي، ويتم فرش الشارع وإغلاقه يوم الاجتماع الأسبوعي.

– بداية الصراع مع  الدولة
أكد “م . س”: بدأت  الجماعات الإسلامية في مدينة ملوي، بأعمال إرهابية بمحاربة الله تبارك وتعالى، ألا وهو أنهم طافوا على جميع أضرحة ملوي وسكبوا عليها مواد قابلة للاشتعال وأشعلوا فيها النيران، فسلطهم الله على أنفسهم وزاد طغيانهم فبدؤا بمحاربة الحكومة وتكفيرها وتكفير رئيسها، والمنازعة على الحكم، مستخدمين  الأسلحة النارية والمتفجرات في قتل السائحين الأجانب، ومحاربة وزارة الداخلية، حتى أن الحكومة بدأت تطاردهم وتقبض عليهم.

أضاف: وفي أواخر عام 1993م مع مطلع 1994 بالتقريب،  أصيب أحد عناصر الجماعة الإرهابية بملوي عند هروبه من سطح منزله يدعى “رجب عبد الحكيم”، وتم القبض عليه أثناء إصابته والتحقيق معه وظل ينزف حتى مات، وكانت هذه اللحظة هي بداية الصدام مع الحكومة، وتم القبض على جميع أفراد الجماعة الإسلامية في تلك الفترة واعتقالهم معاقبة من الله على جرمهم في حق الأولياء.

-صدام الجماعة مع الدولة
أشار المؤرخ ذاته: اصتدمت عناصر الجماعة الإرهابية مع الحكومة في عام 1992، بمركز ديروط المحطة التابع لمحافظة أسيوط، وزاد الصراع بينهم، الامر الذي جعل تأثير هذا الحدث ينتقل إلى مدينة ملوي في عام 1993،  عقب حرق أضرحة الأولياء، واشتد عنف الجماعات وعنف وزارة الداخلية آنذاك، وبدأ القبض عليهم واعتقالهم واحد تلو الآخر،  وبعد مقتل المدعو “رجب” أحد عناصر الجماعة  بملوي، صار الحدث اشد عنفا وجللًا بينهم، حيث ترك أفراد الجماعة متازلهم وأسرهم وتجمعوا وسكنوا الزراعات والمقابر والجبال في جماعات متفرقة، وقتلوا الكثير من أفراد الشرطة.

تابع: وفي المقابل قُتل الكثير من أفراد الجماعات واعتقلتهم الشرطة، وتم تعذيبهم والقبض على كل من كان يزورهم أو يخالطهم، ويتم تعذيبهم ومات منهم الكثير بدون ذنب،  وبدأت أفراد الجماعات في عمل كمائن سرية، تختبئ في طريق سير أفراد الشرطة وتقتل منهم الكثير أيضا، بينما احتدم  الأمر وفرضت الحكومة حظر التجوال بملوي، أسوة بديروط منبع الأحداث، ممتدًا إلى جميع قرى مركز ملوي، وصارت الشرطة تتعامل مع الناس معاملة من أسوأ ما يكون من سوء أدب وتطاول باليد والالفاظ، والاستهتار بالناس لا يرحمون صغيرًا ولا يوقرون كبيرًا، ويُرقدُون الناس ويدهسوهم بالبيادات والأحذية ويضربوهم ويأمرونهم بضرب بعضهم البعض،حتى الزوجة يجعلوها تضرب زوجها والعكس في الشارع أمامهم،

وهكذا مع كل الناس استمر ظلم الشرطة، من تعذيب إلى تكدير للمواطنين بدون ذنب، وحتى من تعاطف مع الشرطة من الناس  صاروا يدعون عليهم، ويشمتون بهم، مشجعين للإرهابيين “الجماعة الاسلامية” وقتذاك، أن يقتلوهم وينتصروا عليهم إلى أن وصل الأمر بهم ان منعوا الناس من الصلاة في المساجد،  ومن كان يخرج لها يتطاولون عليه بالسب والضرب، حتى كان محصلة ذلك الصدام قتل الكثير من أفراد الشرطة بذنب وبغير ذنب، و كذلك قتل الكثير من الجماعات، ومن الأهالي المسالمين من مات منهم بدون ذنب، وانتصرت الحكومة أخيرا وتم اعتقال أفراد الإرهابيين، إلا من هرب خارج البلاد أو خارج بلده.

-استسلام الجماعة
قال المؤرخ: أعلنت الجماعة الإرهابية، عن خطأها وعنفها الزائد وخروجها عن تعاليم الدين بالفهم الخاطئ، وأنهم لن يعودوا للعنف، ولن يحرضوا المواطنين على الانقلاب على الدولة، معلنين توبتهم وبذلك تم الإفراج عنهم على مجموعات لكل من أعلن توبته مُقرًا بخطئه، ولكن اشترط بعضهم على إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، وعقب الإفراج عنهم رفعوا قضايا تعويض بسبب اعتقالهم، وبالفعل حكمت المحكمة لصالحهم وصُرفت تعويضات مادية لهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى