كان العقل البشرى هو المُستهدَف لصياغته طوعا لحساب غاية إستعمارية
على مدار العصور دائما كان العقل البشرى هو المُستهدَف لصياغته طوعا لحساب غاية إستعمارية أو ترسيخ مفاهيم إجتماعية لتتحول وتمثل بناءاً مغايراً للشخصية الحقيقية والتى فى تكوينها الجماعى تصبح مجتمعاً بكل مقوماته فينساق إلى الهدف المراد تحقيقه ، والعديد من الأساليب إستخدمت لصياغة عقول الشعوب بالكتب والملصقات والنشرات والمحاضرات وكل وسائل الدعاية المختلفة وأصبح هذا التكوين فى النهاية يمثل ” قوة سياسية ” لإحكام القبضة على الشعوب وإضعاف مقدرتها على التحرر.
وإعتمدهذا النشاط الإستعمارى بشكل أساسى على البيانات التى يجمعها دارسوا الحضارات بجانب تدريب أخصائيين يوفدون إلى كل الشعوب ويعاونهم من أبناء الأرض المستهدفة نخبة مختارة من الدارسين فى مراكز البحوث تحت شعار البحث الإجتماعى أو العلمى بالمنح الدراسية والمؤامرات والندوات ، وفى ظل أن مفهوم الحضارة عقائدى يتضمن المعتقدات والفنون والأداب والشرائع وأية سمة يكتسبها الإنسان من إنتمائه لمجتمع معين .
وفى إطار هذا التكوين الدَعائى تَشكل مصطلح ” حقوق الإنسان ” وصدر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى ديسمبر ١٩٤٨ والذى إحتوت مواده على العديد من المفاهيم الإنسانية التى تشمل حق الإنسان فى الحياة الكريمة والعدل والمساواة وحرسة إعتناق الأراء والعقائد وحماية مكتسباته ومن إحدى هذه المواد المادة ( ١٩) والتى تنص على لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير وتلقى وإذاعة الأنباء دون التقيد بالحدود الجغرافية وبأى وسيلة ، ومن هنا أصبح تشويه الأفكار حقأً إنسانيا وفرض الثقافات البديلة حقا إنسانيا أيضا وقد تردد دائما عن حقوق الإنسان أنها مقدسة وذلك وصف إصطنعه أصحاب مصلحة، ومن هنا أقول أن كلمات الله وحدها هى المقدسة وماعداها قابل للمناقشة والمعارضة .
فحينما نرى فى واقعنا العربى مشكلات ونمطاً إجتماعياً تختص به حياة المواطن فيكون الرفض شكلاً وموضوعاً بأن يكون هذا الهدف الإنسانى حمال أوجه تستخدم بالحق والباطل فى آن واحد
وأحيانا كثيرة فى وعى من يتبناه سواء فكراً أو قيماً أو أخلاقاً ،وهناك العديد من أنماط القائمين على منظومة حقوق الإنسان لاتتسق قيمهم الفردية مع مايتبنونه من أفكار حيث وهم يرفعون هذا الشعار يتدنون بالأخر ويلوون أعناق الحقائق لمصالحهم وويجادلونك حول مفاهيم يسمونها عصرية ومتحررة يسلبون فيها كل معطيات حقوق الإنسان
، وحيث أن أجندة حقوق الإنسان العالمية تحوى داخلها العديد من المشروعات التنموية والفكرية والثقافية والتى يتم طرحها لتتبناها بعض مراكز حقوق الإنسان ..أى أصبح هنا الإختيار لصاحب تمويل تلك المشروعات مرهوناً بتنفيذ أهدافه وغالبا ليست وثيقة الصلة بقضايا الإنسان المباشرة فى الوطن ،
أى أننا ليس لدينا أى تفعيل من المنوط بهم نشر ثقافة حقوق الإنسان والإعتماد على أفراد فاقدين الثقافة الوطنية وإدراك مشكلات المجتمع وليس لديهم المقدرة على الإرتباط بالإنسان فى قضاياه المباشرة حيث من لايمتلك قياً فردية لايؤتمن على بث أفكاره لدى الأخرين .
ومن هنا تظل الشعوب أسرى التخلف والضياع والواقع العربى يختلف فى قضاياه عن أى مجتمعات أخرى حيث لدينا الكثير من الهم الإجتماعى والإقتصادى والسياسى والثقافى والفقر والمرض ومن المفترض أن تفعيل مفهوم حقوق الإنسان فى هذا الواقع لابد وأن يرتبط بقضايا الإنسان العربى ،
فمايحدث أن بعض الأفراد الذين يتبنون الدعاية لهذا المفهوم فاقدى الوعى بمشكلات الوطن ” متثاقفون ” لايدركون أن تحت هذا الشعار أفكار مراد بها تلقيح عقول الجماهير بها وهى لاتودع فراغ بل برحم ملىء بتراث تاريخى متراكم من المعتقدات والتقاليد ، فتتجه إلى تفكيك المكونات الحضارية وتحت هذا المسمى يتم إستنزاف ثروات الشعوب وثوابتها الثقافية وإستغلال الإنسان ، ولاأنكر أن هناك وطنيبن مثقفين لايقفوا عند مصطلح ” ناشط حقوقى ” لديهم الوعى فى تعيل ثقافة حقوق الإنسان تبعا لمتطلبات الواقع العربى وقضاياه والوصول للجماهير مشاركة وحلا لقضاياهم ، ونحن فى مرحلة تستدعى ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان العربى بما يرتبط بقضاياه الجوهرية المزمنة بدلا من إختزاله فى ´ندوة وشنطة ” .