بقلم : داليا طايع محررة المواجهة
في صباح شتوي جميل، كنت أجهز نفسي للانطلاق إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، الحدث الذي أنتظره بفارغ الصبر كل عام. لم أنسَ حقيبتي الكبيرة، فقد كنت مستعدة لحمل كل ما سأجده من كنوز ثقافية. برفقة أختي رانيا وصديقتي، بدأنا الرحلة من أوسيم، مرورًا بمحطة الكيت كات، حيث استقللنا المترو إلى محطة أرض المعارض، ودفعت 10 جنيهات للتذكرة. بعد ذلك، استقللنا ميكروباصًا إلى المعرض مقابل 20 جنيهًا، وبينما كنا في الطريق، لفت انتباهي وجود أجانب معنا يتحدثون بحماس عن المعرض، مما جعلني أشعر بفخر كبير بأن هذا الحدث أصبح عالميًا. كمصريين، كانت فرحتنا كبيرة بمشاركة الأجانب في هذا الحدث الثقافي الضخم، مما جعلنا نشعر بالأهمية الكبرى لهذا المعرض الذي يزوره الناس من جميع أنحاء العالم.
عمان ضيف شرف المعرض.. ولكن من هو أحمد مستجير؟
قبل زيارتي، كنت أعلم أن سلطنة عمان هي ضيف شرف المعرض هذا العام، وتوقعت أن أجد جناحًا يعكس الثقافة العمانية. وبالفعل، كان الجناح ممتلئًا بالكتب التراثية والأدبية، مما جعلني أتعرف أكثر على أدب عمان وتاريخها. ولكن، كانت المفاجأة الأكبر بالنسبة لي عندما علمت أن شخصية المعرض لهذا العام هي العالم والمفكر أحمد مستجير. لم أكن أعرف عنه الكثير قبل ذلك، لكن خلال جولتي، اكتشفت أنه لم يكن مجرد عالم في الهندسة الوراثية، بل كان أيضًا شاعرًا ومترجمًا، جمع بين العلم والأدب بشكل مدهش. شعرت برغبة قوية في قراءة أعماله، خاصة بعد أن سمعت بعض الزوار يناقشون إنجازاته العلمية والأدبية.
قاعة 3: الأجنحة الدولية وجناح المملكة العربية السعودية وجناح القوات المسلحة
بعد دخولنا من بوابة المعرض ودفعنا تذكرة رمزية بـ 5 جنيهات فقط، بدأنا جولتنا في قاعة 3، حيث كان التنوع مذهلًا. شاهدت الأجنحة الدولية التي جمعت بين الثقافات المختلفة، مما جعلني أشعر وكأنني أسافر حول العالم دون مغادرة القاهرة. ثم توجهنا إلى جناح المملكة العربية السعودية، الذي كان مليئًا بالكتب التي تعكس الثقافة والتاريخ السعودي، ما منحني فرصة لتوسيع معرفتي حول الأدب والثقافة السعودية. وكان مفاجأتي الكبرى عندما تلقيت هدية قيمة في هذا الجناح، وهي نسخة من المصحف الشريف، وهو ما جعلني أشعر بمزيج من الفخر والروحانية في رحلتي الثقافية. كما مررت بجناح وزارة السياحة والآثار، الذي كان يركز على تاريخ مصر العريق وجمالها السياحي، وقد اشتريت بعض الكتب الصغيرة التي تتناول موضوعات عن الآثار المصرية، وكانت أسعارها تتراوح بين 10 و 20 جنيهًا.
وفي نفس القاعة، لم أتمكن من تفويت جناح القوات المسلحة، الذي كان يضم مجموعة من الوثائق النادرة والصور التاريخية التي تسلط الضوء على المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، الذي تم اختياره شخصية الجناح لهذا العام. شاهدت أفلامًا وثائقية عن بطولات الجيش المصري وتصفحت بعض الكتب العسكرية التي وثّقت أحداثًا مهمة في تاريخ مصر. وكان هناك ضباط يرتدون زيهم العسكري، وقد فرحت عندما رأيت الناس يلتقطون الصور معهم، وكان واضحًا أن الجميع يشعرون بالفخر والاعتزاز بجنود شعبنا البواسل.
سوق الأزبكية وأسعار الكتب
لم يكن هناك أفضل من سوق الأزبكية للحصول على كتب بأسعار معقولة، حيث وجدت روايات عالمية وكتبًا نادرة بأسعار تبدأ من 10 جنيهات، مما جعلني أملأ حقيبتي الكبيرة دون تردد! أما بالنسبة للأسعار في باقي القاعات، فكان هناك تفاوت كبير. بعض الكتب كانت غالية جدًا، خاصة الكتب التي تصدرها دور النشر الكبرى، بينما كانت هناك خيارات بأسعار في متناول الجميع، مما جعل المعرض وجهة مثالية للزوار من مختلف الشرائح.
قاعة 5: عالم الأطفال المليء بالمرح والتخفيضات
لم يكن المعرض مجرد تجربة للكبار، فقد خصصت قاعة 5 للأطفال، حيث رأيت العديد من العائلات التي جاءت مع أطفالها ليستمتعوا بالأجواء الثقافية. كان هناك تخفيضات كبيرة على الكتب التعليمية من “الأضواء” و”سلاح التلميذ”، بالإضافة إلى الألعاب التعليمية التي تشجع الأطفال على التعلم بطريقة تفاعلية مثل البازل وسؤال وجواب.
ما لفت انتباهي أيضًا هو وجود فعاليات ترفيهية، حيث شاهدت أطفالًا يشاركون في ورش رسم وحكي القصص، مما جعلهم يعيشون القراءة بطريقة ممتعة بعيدًا عن الشاشات الإلكترونية.
المكتبة المتنقلة: تجربة فريدة
خارج القاعات، لفتت انتباهي المكتبة المتنقلة، حيث رأيت خطاطين يكتبون أسماء الزوار مجانًا بأسلوب فني جميل. كانت هذه المكتبة تقدم تجربة ممتعة للأطفال والكبار على حد سواء، حيث توفر جلسات قراءة سريعة وكتبًا يمكن للزوار تصفحها في الهواء الطلق، مما أضاف لمسة خاصة على أجواء المعرض.
عروض المسرح وكشف جفاف العين
لم يكن المعرض مجرد مكان للكتب، بل كان احتفالية ثقافية متكاملة. على المسرح، شاهدت عروضًا فنية وثقافية جذبت الحضور، من بينها عروض موسيقية وحلقات نقاشية. وبينما كنت أتجول، فوجئت بوجود ركن صحي يقدم كشفًا مجانيًا عن جفاف العين، وهو أمر لم أكن أتوقعه لكنه كان تجربة فريدة، خاصة في مكان ثقافي مثل هذا.
فرحة لقاء الكتّاب وأمسية شعرية مفاجئة
من أجمل اللحظات في المعرض كانت عندما رأيت الكتّاب يلتقون بمعجبيهم، والقراء يصطفون للحصول على توقيع كتابهم المفضل أو التقاط الصور معهم. كانت الأجواء مليئة بالحماس، وشعرت بسعادة وأنا أشاهد تفاعل الجمهور مع المؤلفين. لم أكن أخطط لحضور أي فعالية، لكنني وجدت نفسي وسط أمسية شعرية بالصدفة، وكان ذلك من أكثر اللحظات التي استمتعت بها.
رحلة بين الكتب والطعام!
بعد جولة طويلة، شعرت بالجوع، فمررت بجوار العديد من المطاعم مثل شبراوي وأبو مازن السوري وأبو عوف الذي يقدم القهوة والمكسرات. لكنني اخترت تناول كشري من سيد حنفي، حيث كانت الأسعار تتراوح بين 35 و70 جنيهًا حسب الحجم، وكانت الوجبة لذيذة وشهية بعد يوم طويل من المشي والاستكشاف.
نهاية يوم لا يُنسى
قبل المغادرة، التقطنا العديد من الصور، وكأننا كنا في رحلة إلى عالم آخر مليء بالمعرفة والاكتشافات. لم يكن المعرض مجرد مكان لشراء الكتب، بل كان تجربة ثقافية وإنسانية أثرتني وألهمتني.
نصائحي لمن يخطط لزيارة المعرض
ضع ميزانية محددة، لأن العروض مغرية جدًا.
جهّز قائمة بالكتب التي تريدها مسبقًا حتى لا تتشتت.
ارتدِ ملابس مريحة، لأنك ستقضي وقتًا طويلاً في التجول.
لا تفوّت زيارة قاعة 1، حيث ستجد أفضل العروض من الهيئة العامة للكتاب والثقافة العربية.
الخلاصة
لم يكن معرض الكتاب مجرد سوق للكتب، بل كان رحلة ثقافية وإنسانية لا تُنسى. خرجت منه بشعور مختلف، وكأنني قد زرت أماكن وشخصيات لم أكن أعرف عنها الكثير. أنصح الجميع بتجربة هذه الرحلة الفريدة، فمن يدري؟ ربما تجد هناك كتابًا يغير حياتك!
هل زرت المعرض هذا العام؟ شاركني بتجربتك!