أهم الأخبارمقالات

كيف تتغلب على هموم الحياة (1) بقلم أ د / رجب عبد اللطيف محمد

الكاتب والباحث في علم النفس والتنمية البشرية

 

د. رجب عبد اللطيف محمد .. الكاتب والباحث فى التنمية البشري

 

  كيف تتغلب على هموم الحياة (1)

 

الحمد لله رب العالمين ، مجيب دعوة المضطرين ، وكاشف هم المهمومين ، ورافع البلاء عن المبتلين ،

فهو سبحانه ارحم الراحمين ، أحمدك ربى حق حمدك ، وأشكرك ربي على عظيم نعمك ، وأصلى واسلم على إمام الصابرين ، وسيد العابدين ، وإمام المرسلين

، الذي علم الصحابة معنى الصبر وبشرهم على جزاء صبرهم بعظيم الأجر ، ربا الصحابة على علو الهمة ، صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة .

فما أكثر المهمومين ، وما أكثر المبتلين ، لذلك جئتك أخي القاري الكريم بالأدوية الحسان التي بها بمشئية الله تعالى تتغلب على الهموم والأحزان ، من كتاب ربي رب العالمين ،

ومن سنة سيدي سيد المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين ، ففي كتاب الله الشفاء ، وفى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أعظم الدواء ، سائلاً المولى – عز وجل

– أن ينفع بهذه المقالات كل حزين ، وأن تكون سبباً لكشف الهم ، والرضا بقضاء أحكم الحاكمين .

الدواء الأل : الإيمان بالله والعمل االصالح

قال تعالى في كتابه الكريم (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل :97) .

من أمن بالله وعرف حقيقة دنياه ، وسلم لربه فيما قدره وقضاه ، فإنه يصبرعلى الضراء ويشكر على االسراء ويطيع ربه في حالتي الشدة والرخاء ، ويذكره في جميع الآناء ،

لعلمه أن الله تعالى مع عبده ما ذكره وأنه عند ظنه به ،

وأنه يبتلي العبد بالخير وضده ، ليختبر صبره ، ويستخلص إيمانه ،

ويظهر توكله على ربه وحسن ظنه ، وليجزي مثوبته ويُعلى درجته ويظهر للناس في الدنيا والآخرة

أن هذا العبد أهل لكرامته ، وصالح لمجاورته في جنته ،

فكم من محنة في طياتها منح ورحمات ، وكم من مكروه يحل بالعبد ينال به رفيع الدرجات

وجليل الكرامات ، وصدق من قال في كتابه الكريم

(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) (الأنعام (83) .

 

فالإيمان بالله عز وجل يجعل علقم الصبر حلو المذاق ، وشدة البلاء لين ورخاء ،

فهذا عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه يقول عنه أهل السير : إن عرووة بن الزبير

أُصيب بمرض عُضال في رجله فأراد الأطباء قطع رجله من الفخذ حيث لا يوجد بنج ولا وسائل حديثة للقطع ،

ولكن بمنشار ينشر الساق كما تنشر الشجرة ،

فقالوا لعروة بن الزبير عندما أرادوا أن يقطعوا ساقه : ” نسقيك خمراً ، لأنه لا يُسكن عقلك إلا الخمر ؟ ” .

قال : ” سبحان الله ، أفقد عقلي بعد رزقني الله عقلاً ! كلا وألف كلا ، ولكن إذا دخلت في الصلاة فاقطعوا رجلي ، فإني لن أشعر إن شاء الله “.

فتوضأ ودخل في الصلاة وناجى الله ، فبدءوا في قطع رجله ، ففقد وعيه ، ومكث ساعات على وجهه مغمى عليه ثم أفاق بعد ذلك ، فجاءه رجل بعدما أفاق وقال له : أحسن الله عزاءك في ابنك ،

رفسته دابة للوليد ابن عبد الملك فمات .

فقال كلمات تكتب بماء الذهب على صفحات من لولوء قال :

” اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت ، وإن كنت ابتليت فطالما عافبت ،

أعطيتني أربعة أبناء وأخذت أبناً واحداً ، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً

فلك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا ، ثم قال :

 

 

                لعمرك ما مدت كفي لريبة             ولا حملتـني نحو فاحشة رجلي

ولا دلني فكري ولا نظري لها           ولا قادني سمعي عليها ولا عقلي

وأعلم أني لم تصبني مصيبة               من الله إلا وقد أصابت فتى قبلي

 

فهذا هو حال المومنين ، صابرين دائماً لربهم شاكرين ، فإذا صح الإيمان ووقر في القلب فاض على الحياة ،

فإذا مشى المؤمن على الأرض مشى سوياً ، وإذا سار سار تقياً ،

ريحانه طيبة الشذى وشامة ساطعة الضياء .

 

 وأما حال ضعفاء الإيمان بعد نزول البلاء فهم في أسوأ حال ، ضيق في الصدر ، وضعف في الصبر

يقول بن الجوزي في أحد الحمقى : كان لهذا الأحمق حمار ، مرض الحمار فنذر الرجل لله عز وجل

إن شُفي حماره أن يصوم سبعة أيام ، فشفى الله عز وجل الحمار ،

والشافي هو الله سبحانه وتعالى ، فلما شفى الله الحمار صام الرجل سبعة أيام ،

فلما أنتهى من الصيام مات الحمار !

فقال : والله لأحتسبنها من رمضان !!

فهذا حال ضعفاء الإيمان لا يصبرون على الضراء ، ولا يشكرون في السراء .

 

 أما المؤمنون فهم دائماً في خيروعلى خير كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحدث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ” عجباً لأمر المؤمن ،

إن أمره كله له خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خير له

وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له “

فمن ذاق حلاوة الإيمان طاب عيشه وعرف طريقه ، ومن عرف طريقه سار على بصيرة ،

ومن سار على بصيرة نال الرضا وبلغ المنى.

وصدق من قال :

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ     ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد دين        يموت بموته بشر كثير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى