(الجزء الأخير)
الجزاء من جنس العمل .
كيف تتغلب على هموم الحياة
الدواء السادس:(أدم ذكر ربك يطمئن قلبك ويزول همك).
قال تعالى : (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:28).
وقال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)). (نوح:10 : 12).
فالذكر سبب لأنشراح الصدر ، والاستغفار سبب في البركة ونزول الخير ،
ومن الذكر الصلاة على خير الأنام ، فالصلاة عليه تذهب الهموم والأحزان .
فقد روى الطفيل بن أُبى بن كعب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا ذهب ثلث الليل قام فقال : (يأيها الناس أذكروا الله، أذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ،
جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه ، قال أُبي : قلت يا رسول الله إني أُكثر الصلاة عليك
، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ما شئت ، قال قلت الربع ، قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قال :قلت النصف ،
قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قال أجعل لك صلاتي كلها ،
قال (إذاً تُكفى همّك ويُغفر ذنبك ).
فأدم ذكر ربك يكفيك همّك ويذهب عنك حزنك وغمك ،
فما أُصيب قلب العبد بداء أعظم من الغفلة ونسيان الأخرة ،
والركون إلى الدنيا الزائلة ، فتمر عليه الليالي والأيام وهو مريض لا يعلم أنه مريض ،
عليل لا يدري ما علته ،
بل ميت وإن نبض قلبه بروح الحياة ، حتى يعلو على قلبه الران ،
وتسكن أرجاءه الظلمة ، فيبدو في أعين الناس سعيداً ، والسعادة عنه بمعزل ،
مسروراً وقد عانى الحزن في حياته ، تعلو وجهه الضحكات والبسمات ،
وقلبه يتفطر حرقة وألماً ، ويتقطع همَّاً وغمَّاً ، فللقلوب صدأ لا يجلوه إلا ذكر الله ،
ولها أقفال مفتاحها لهج اللسان بحمده ، وإدامة العبد شكره ،
فالذكر جنة الله في أرضه ، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها ،
بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح ،
طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء ،
فلا عجب أن يرتاح الذاكرون ، ولكن العجب كيف يعيش الغافلون الساهون .
قال العزيزالرحيم (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النحل :21) .
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري ومسلم
عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه : ” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه
مثل الحي والميت ” .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،
فكيف يكون حال االسمك إذا فارق الماء ” .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين :
” والذكر منشور الولاية الذي من أعطاه اتصل ، ومن منعه عزل ،
وهو قرب قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً ،
وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً ،
وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ،
وماؤهم الذي يطفئون به نار الحريق ،
ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهمك القلوب والسبب الواصل
والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب هو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ” .
فالذكر يجعل قلب العبد يعيش فى جنة وإن كان فقيرا ،
والغفلة تجعل العبد في همَّ وشقاء وإن كان مَلِكْا أو وزيرا .
فأدم ذكر ربك يُذهب غمك ، ويفرج كربك .
الدواء السابع:
كن سبباً في إسعاد غيرك يسعدك ربك ويزيل همّك
فالجزاء من جنس العمل
– روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضا الله عنه
أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال
: (من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا ،
نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامة ،
ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ،
ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
أخي في الله تأمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( من نفس – نفس الله عنه ) – ( ومن يسر – يسر الله عليه )
(ومن ستر – ستره الله في الدنيا والآخرة ).
فالجزاء من جنس العمل فإذا أدخلت السرور على قلب أخيك
يدخل الله السرور على قلبك ويعافيك ، وإذا أطعمت المسكين أطعمك الله في الدنيا
وأدخلك جنات النعيم ،
ومن أوى اليتيم أواه الله وجعله مع إمام النبيين ،
فاالرحمة بالفقراء والمساكين والمحتاجين هي شعار المسلمين
ودثار الأخيار والصالحين وشأن الموفقين المسددين ،
كم فرج الله بها من هموم ، وكم أزال الله بها من غموم ،
إنها الرحمة ، إذا أسكنها الله في قلبك فتح بها أبواب الخير في وجهك
وسددك وألهمك وأرشدك وكنت من المحسنين .
فإن في شكوى الفقير ابتلاء للغني ، وفي إنكسار الضعيف امتحاناً للقوي ،
وفي توجع المريض حكمة للصحيح .
قال الإمام ابن القيم في الجواب الكافي : “
وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على إختلاف أجناسها ومللها ونحلها
على أن التقرب إلى رب العالمين ،
والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير ،
وإن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر ، فما اسنجلبت نعم الله
واستدفعت نقمة بمثل طاعنه والإحسان إلى خلقه ).
فكن أخي سبباً في إسعاد غيرك يسعدك ربك ويذهب همّك ويفرج كََربك
، فالجزاء من جنس العمل .
الدواء الثامن :
لا تحزن على ما فات ، ولا تسترجع الذكريات .
لا تسترجع الذكريات المؤلمة ، فإنها تكون دائماً مُحزنه ،
نظف أرشيف عقلك بإستمرار ، لا تحتفظ فيه إلى بالجميل من الذكريات ،
أما المؤلم منها فاقطف منه العبرة والعظات ،وألقي الباقي في سلة المهملات ،
فقد فطرنا الله عز وجل على النسيان ، فلماذا تسترجع بعقلك الهموم والأحزان ؟
ذات يوم طلب أحد الأساتذة من طلابه أن يحضر كل منهم كيساً نظيفاً ،
وعندما نفذوا ما أمرهم به طالبهم بأن يضعوا في هذا الكيس ثمرة بطاطا
عن كل ذكرى سيئة لا يريدون محوها من ذاكراتهم ،
وأن يكتبوا على كل ثمرة الموقف السيئ وتاريخه
وبالفعل قام الطلاب بعمل ما أمرهم به الأستاذ ،
وأصبح لدى كل منهم كيس لا بأس به ،
حينها طالبهم الأستاذ ألا يتركوا هذا الكيس أبداً ،
فهو معهم في حلهم وترحالهم .
نعم ..هو معهم في غرفة النوم ، والسيارة ، والسوق،والنادي ،
وما أتعس من يحملون كماً كبيراً من الذكريات المؤلمة ،
ترجموها إلى حبات بطاطا ، أرهق كاهلهم حملها بعدما تعبت منها نفوسهم .
إن عبء حمل هذا الكيس طيلة الوقت أوضح أمامهم
العبء الروحي الذي يحملونه لذكراهم المؤلمة ،
والثقل النفسي الذي تبعثه هذه الذكرى .
وصارت البطاطا عبئاً مادياً ثقيلاً فهم يهتمون بها طول الوقت
خشية نسيانها في أماكن قد تسبب لهم الحرج ،
وبطبيعة الحال تدهورت حالة البطاطا
وأصبح لها رائحة كريهة مما جعل حملها شيئاً غير لطيف .
فلم يمر وقت طويل حتى كان كل واحد منهم قد قرر أن يتخلص من كيس البطاطا
بدلاً من أن يحمله في كل مكان يذهب إليه .
من هذه القصة نتعلم منها ألا نحمل هموم الماضي معنا
ونحن نسير نحو المستقبل فالماضي ما هو إلا خبرات وتجارب مضت وأنقضت
،فالعاقل منا من يتعلم من تجاربه السابقة ،
ولا يظل ينظر إلا الماضي متحسراً على خسائر قد وقعت ،
وآلام قد مرت ، فالماضى كالصندوق القديم ،
الذي نضع فيه الغث والثمين ،
وليس من المعقول أن نظل نفتح هذا الصندوق دائماً وبدون فائدة ،
فإن هذا مضيعة للوقت ، ولكن يتم فتح الصندوق إذا أردنا أن نأخذ منه
ما ينفعنا في وقعنا الحالي ، وهكذا الماضي ،
لا نُفكر في الماضي إلا في الأمور التي تنفعنا في السير نحو المستقبل ،
فلن يصل أبداً بسلام ، من ينظر دائماً للخلف وينشغل به عن النظر للأمام .