أهم الأخبارمقالات

كيف تتغلب على هموم الحياة ؟… بقلم أ/ رجب عبد اللطيف محمد

الكاتب والباحث في علم النفس والتنمية البشرية

 

 

رجب
د رجب عبد اللطيف محمد الكاتب والباحث فى التنمية البشرية

(الجزء الأخير)

الجزاء من جنس العمل .

كيف تتغلب على هموم الحياة

الدواء السادس:(أدم ذكر ربك يطمئن قلبك ويزول همك).

قال تعالى : (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )  (الرعد:28).

وقال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)

يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)

وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)). (نوح:10 : 12).

 

فالذكر سبب لأنشراح الصدر ، والاستغفار سبب في البركة ونزول الخير ،

ومن الذكر الصلاة على خير الأنام  ، فالصلاة عليه تذهب الهموم والأحزان .

فقد روى الطفيل بن  أُبى بن كعب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم 

إذا ذهب ثلث الليل قام فقال : (يأيها الناس أذكروا الله، أذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ،

جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه ، قال أُبي : قلت يا رسول الله إني أُكثر الصلاة عليك

، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ما شئت ، قال قلت الربع ، قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قال :قلت النصف ،

قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قال أجعل لك صلاتي كلها ،

قال (إذاً تُكفى همّك ويُغفر ذنبك ).

فأدم ذكر ربك يكفيك همّك ويذهب عنك حزنك وغمك ،

فما أُصيب قلب العبد بداء أعظم من الغفلة ونسيان الأخرة ،

والركون إلى الدنيا الزائلة ، فتمر عليه الليالي والأيام وهو مريض لا يعلم أنه مريض ،

عليل لا يدري ما علته ،

بل ميت وإن نبض قلبه بروح الحياة ، حتى يعلو على قلبه الران ،

وتسكن أرجاءه الظلمة ، فيبدو في أعين الناس سعيداً ، والسعادة عنه بمعزل ،

مسروراً وقد عانى الحزن في حياته ، تعلو وجهه الضحكات والبسمات ،

وقلبه يتفطر حرقة وألماً ، ويتقطع همَّاً وغمَّاً ، فللقلوب صدأ لا يجلوه إلا ذكر الله ،

ولها أقفال مفتاحها لهج اللسان بحمده ، وإدامة العبد شكره ،

فالذكر جنة الله في أرضه ، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها ،

بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح ،

طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء ،

فلا عجب أن يرتاح الذاكرون ، ولكن العجب كيف يعيش الغافلون الساهون .

   قال العزيزالرحيم (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النحل :21) .

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري ومسلم

عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه : ” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه

مثل الحي والميت ” .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،

فكيف يكون حال االسمك  إذا فارق الماء ” .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين :

” والذكر منشور الولاية الذي من أعطاه اتصل ، ومن منعه عزل ،

وهو قرب قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً ،

وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً ،

وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ،

وماؤهم الذي يطفئون به نار الحريق ،

ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهمك القلوب والسبب الواصل

والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب هو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ” .

فالذكر يجعل قلب العبد يعيش فى جنة وإن كان فقيرا ،

والغفلة تجعل العبد في همَّ وشقاء وإن كان مَلِكْا أو وزيرا .

فأدم ذكر ربك يُذهب غمك ، ويفرج كربك .

الدواء السابع:
كن سبباً في إسعاد غيرك يسعدك ربك ويزيل همّك
فالجزاء من جنس العمل

– روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضا الله عنه

أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال

:  (من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا ،

نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامة ،

ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ،

ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).

أخي في الله تأمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :

( من نفس – نفس الله عنه ) – ( ومن يسر – يسر الله عليه )

(ومن ستر – ستره الله في الدنيا والآخرة ).

فالجزاء من جنس العمل فإذا أدخلت السرور على قلب أخيك

يدخل الله السرور على قلبك ويعافيك ، وإذا أطعمت المسكين أطعمك الله في الدنيا

وأدخلك جنات النعيم ،

ومن أوى اليتيم أواه الله وجعله مع إمام النبيين ،

فاالرحمة بالفقراء والمساكين والمحتاجين هي شعار المسلمين

ودثار الأخيار والصالحين وشأن الموفقين المسددين ،

كم فرج الله بها من هموم ، وكم أزال الله بها من غموم ،

إنها الرحمة ، إذا أسكنها الله في قلبك فتح بها أبواب الخير في وجهك

وسددك وألهمك وأرشدك وكنت من المحسنين .

فإن في شكوى الفقير ابتلاء للغني ، وفي إنكسار الضعيف امتحاناً للقوي ،

وفي توجع المريض حكمة للصحيح .

قال الإمام ابن القيم في الجواب الكافي : “

وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على إختلاف أجناسها ومللها ونحلها

على أن التقرب إلى رب العالمين ،

والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير ،

وإن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر ، فما اسنجلبت نعم الله

واستدفعت نقمة بمثل طاعنه والإحسان إلى خلقه ).

فكن أخي سبباً في إسعاد غيرك يسعدك ربك ويذهب همّك ويفرج كََربك

، فالجزاء من جنس العمل .

الدواء الثامن :

لا تحزن على ما فات ، ولا تسترجع الذكريات .

لا تسترجع الذكريات المؤلمة ، فإنها تكون دائماً مُحزنه ،

نظف أرشيف عقلك بإستمرار ، لا تحتفظ فيه إلى بالجميل من الذكريات ،

أما المؤلم منها فاقطف منه العبرة والعظات ،وألقي الباقي في سلة المهملات ،

فقد فطرنا الله عز وجل على النسيان ، فلماذا تسترجع بعقلك الهموم والأحزان ؟

ذات يوم طلب أحد الأساتذة من طلابه أن يحضر كل منهم كيساً نظيفاً ،

وعندما نفذوا ما أمرهم به طالبهم بأن يضعوا في هذا الكيس ثمرة بطاطا

عن كل ذكرى سيئة لا يريدون محوها من ذاكراتهم ،

وأن يكتبوا على كل ثمرة الموقف السيئ وتاريخه 

وبالفعل قام الطلاب بعمل ما أمرهم به الأستاذ ،

وأصبح لدى كل منهم كيس لا بأس به ،

حينها طالبهم الأستاذ ألا يتركوا هذا الكيس أبداً ،

فهو معهم في حلهم وترحالهم .

نعم ..هو معهم في غرفة النوم ، والسيارة ، والسوق،والنادي ،

وما أتعس من يحملون كماً كبيراً من الذكريات المؤلمة ،

ترجموها إلى حبات بطاطا ، أرهق كاهلهم حملها بعدما تعبت منها نفوسهم .

إن عبء حمل هذا الكيس طيلة الوقت أوضح أمامهم

العبء الروحي الذي يحملونه لذكراهم المؤلمة ،

والثقل النفسي الذي تبعثه هذه الذكرى .

وصارت البطاطا عبئاً مادياً ثقيلاً فهم يهتمون بها طول الوقت

خشية نسيانها في أماكن قد تسبب لهم الحرج ،

وبطبيعة الحال تدهورت حالة البطاطا

وأصبح لها رائحة كريهة مما جعل حملها شيئاً غير لطيف .

فلم يمر وقت طويل حتى كان كل واحد منهم قد قرر أن يتخلص من كيس البطاطا

بدلاً من أن يحمله في كل مكان يذهب إليه .

من هذه القصة نتعلم منها ألا نحمل هموم الماضي معنا

ونحن نسير نحو المستقبل فالماضي ما هو إلا خبرات وتجارب مضت وأنقضت

،فالعاقل منا من يتعلم من تجاربه السابقة ،

ولا يظل ينظر إلا الماضي متحسراً على خسائر قد وقعت ،

وآلام قد مرت ، فالماضى كالصندوق القديم ،

الذي نضع فيه الغث والثمين ،

وليس من المعقول أن نظل نفتح هذا الصندوق دائماً وبدون فائدة ،

فإن هذا مضيعة للوقت ، ولكن يتم فتح الصندوق إذا أردنا أن نأخذ منه

ما ينفعنا في وقعنا الحالي ، وهكذا الماضي ،

لا نُفكر في الماضي إلا في الأمور التي تنفعنا في السير نحو المستقبل ،

فلن يصل أبداً بسلام ، من ينظر دائماً للخلف وينشغل به عن النظر للأمام .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى