مقالات

صفوت عمران يكتب: تجربة «الكون 25» .. الرعب يجتاح البشرية!!

 بقلم الكاتب الصحفي صفوت عمران نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية 

جون كالهون .. عالم السلوك الحيواني – أمريكي الجنسية – كشف عام 1973 تجربة تسمى «الكون 25» مؤكداً أنه قام بها في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وطرح خلالها السؤال الأهم: ماذا لو توفرت الظروف المثالية للكائن الحي وزوال التحديات جميعاً حيث .. لا نقص الموارد .. لا افتراس .. لا توجد الأمراض …ولا مسببات الهجرة .. فضلا عن وجود طقس مناسب، كل ذلك يحدث فقط مع الاكتظاظ السكاني، وهو ما جعلها تجربة مختلفة عن غيرها حيث أن الكثير من التجارب التي تتم على الكائنات الحية تختبر حياة الافراد في ظل نقص عامل ما مثل الغذاء والماء أو في ظل الخوف أو زيادة درجة الحرارة، لكن «تجربة كالهون» اختبرت كيف يكون تأثير النمو السكاني مع توفر الظروف المثالية؟!

عزيزي القارئ عليك أن تاخذ نفس عميق وتعرف أن تجربة «الكون 25» تعد واحدة من أكثر التجارب المرعبة فى تاريخ العلم، والتى سعت إلى تحليل سلوك المجتمعات البشرية من خلال تحليل سلوك مستعمرة فئران.. «كالهون» الذى أوجد «عالماً مثالياً» تعيش فيه مئات الفئران وتتكاثر بحرية، حيث بنى ما يسمى بـ «جنة الفئران» أو «يوتوبيا الفئران»، وهى مساحات مغلقة مصممة خصيصاً حيث تتحصل القوارض على وفرة من الطعام والماء والامان الدائم، فضلاً عن مساحة معيشة كبيرة، مما مكنها من النمو السكانى غير المقيد .. إنه عالم مثالي تواجد فيه كل شيء يحلم به الفأر البسيط، بدون الخوف من الافتراس ودون الخوف من الموت جوعاً.

«جون كالهون» قام عبر سلسلة تجارب عن الاكتظاظ السكانيّ أجريت على « 4 فئران.. ذكران وانثيين» فيما يسمى بـ«الجنة المصطنعة» بين عامى 1958 و1962، واهتم بوصف الانهيار فى السلوك الذى يمكن أن ينتج عن الاكتظاظ السكانيّ، وصاغ مصطلح «الحوض السلوكى»، يقول «كالهون» أن الفئران سرعان ما بدأوا في التزاوج والتكاثر خلال وقت قصير، وزادت أعدادها بسرعة، وبعد مرور 315 يوماً، بدأت حالات التزاوج والتكاثر بالتناقص بشكل جذري وبدأت تنخفض بشكل ملحوظ، وعندما وصل عدد الفئران لـ600 فأر، تم تشكيل تسلسل هرمى بينها ثم ظهر ما يسمى بـ«البؤساء» أو «الطبقة البائسة»، حيث بدأت الفئران الكبيرة مهاجمة هذه المجموعة بشكل مستمر لدرجة ظهور ضرر نفسي كبير لشتى ذكور المجموعة وبدأوا بالضمور الجسدي والعقلي بشكل تدريجي وصولاً إلى «الانهيار نفسياً»، ونتيجة لذلك، لم تحمِ الإناث أنفسها، وأصبحت بدورها عدوانيات تجاه صغارها.. نعم ساهم ذلك في تغيير فسيولوجية الإناث وعدم اهتمامهم بحماية أنفسهم، وحاولوا صب غضبهم على الصغار وتعنيفهم باستمرار، وببعض الحالات وصلت لقتلهم .. هل رأيتم ذلك المشهد فيما تسمعوه من جرائم خلال السنوات الأخيرة؟!

ومع مرور الوقت، تغيرت أيضا فسيولوجية الإناث بشكل كبير لدرجة الانعزال عن الذكور وعدم وجود الرغبة في التزاوج، وأظهرت المزيد والمزيد من السلوك العدوانى، وانخفضت معدلات الولادة حتى وصلت إلى الحضيض، وفى الوقت نفسه، زيادة فى معدل وفيات القوارض الأصغر سنا، وبنفس الوقت ارتفع عدد وفيات الفئران حديثي الولادة بشكل كبير، وكان كل اهتمامهم هو النوم والأكل فقط.. وتزامن ذلك مع ظهور «فئة جديدة» من ذكور الفئران، تسمى «الفئران الجميلة» أي ذكور ذات مظهر خارجي صحي وجذاب بشكل كافي لأنثى الفأر،.. لكن هذه الطبقة الاستثنائية من الذكور الجذابين رفضت التزاوج مع الإناث بشكل قطعي ورفضوا القتال من أجل مساحتهم، وكل ما كانوا يهتمون به هو الطعام والنوم.. وفى وقت من الأوقات، أصبحت الأغلبية تتكون من «الذكور الجميلة» و«الإناث المعزولة»، ومع مرور مزيد من الوقت نسبة الولادة وصلت 0% وحتى التزواج اختفى نهائياً بينهم، وانتشر «الشذوذ الجنسي» بين “الذكور الحسنة المظهر” بشكل كبير، وأيضاً انتشرت ظاهرة أكل الفئران لبعضهم البعض على الرغم من وفرة الطعام والشراب.. وبعد مرور عامين من بدء هذه التجربة، ولد آخر فأر من هذه المجموعة التي باتت مهددة بالانقراض، وبعد فترة مات آخر فأر فيها ليعلن نهاية «كون 25».

«كالهون» كرر التجربة نفسها 25 مرة أخرى، وفى كل مرة كانت النتيجة هى نفسها .. وبحسب “كالهون”، فإن الموت يتكون من مرحلتين: «الموت الأول» بفقدان الهدف فى الحياة فقط مجرد الوجود «لا رغبة فى التزاوج، ولا تربية الشباب، ولا إنشاء دور داخل المجتمع»، «الموت الثاني» الفساد الأخلاقي وتبادل القتل بين عناصر المجموعة، ومع مرور الوقت، بلغ معدل وفيات الأحداث 100٪ ووصل الإنجاب إلى الصفر، وقد استخدمت تجربة «كالهون» العلمية نموذجا لتفسير الإنهيار الإجتماعى.

وبسبب صعوبة إجراء التجربة على البشر شكك عالم النفس «جوناثان فريدمان» في إمكانية تطبيقها داخل المجتمعات البشرية، في عام 1975 وظّف مجموعة من طلاب المدارس الثانوية والجامعات لإجراء سلسلة من التجارب لقياس آثار الكثافة السكانية على السلوك، وقياس ضغطهم وانزعاجهم وعدوانيتهم وتنافسهم وعدم رضاهم العام، ولكنه أعلن أنه لم يجد أى آثار سلبية ملحوظة، لكن مع ظهور دراسات أكثر حداثة وجدوا أن توافر الطعام والماء ومطالب الحياة لا تؤدي بالضرورة إلى اختفاء الجريمة، بل شهد العالم مخططات واضحة للقضاء على البشر وتخفيض أعدادهم، وبدأ قادة وزعماء في دول مختلفة يهاجمون الزيادة السكانية ويصفونها بأنها وراء كل الكوارث التي تعاني منها البشرية .. وبدأ صناع القرار العالمي يضعون خطة تسمى «المليار الذهبي» بهدف تخفيض عدد سكان العالم من 8 مليار نسمة إلى مليار واحد فقط وفق حجج عديدة في مقدمتها ندرة الموارد وتحسين جودة الحياة والتخلص من الكائنات البشرية الزائدة والتي يرون أنها تمثل عالة على المجتمعات الحديثة، ويصفونها بـ«الكائنات عديمة الفائدة»…

ويبقى السؤال: هل ما نشهده حالياً فى مجتمعات اليوم من رجال ضعفاء لديهم مهارات قليلة أو معدومة، وإناث مفرطات فى الانفعال والعدوانية بدون غرائز أمومية طبيعية، وجرائم قتل يشيب لها الولدان، وانتشار الأمراض والأوبئة والشذوذ الجنسي وانهيار منظومة القيم الدينية والأخلاقية، هى أوجه تشابه مباشرة مع مجتمع الفئران فى تجربة «الكون 25″؟!.

عزيزي القارئ.. تجربة الكون 25، باتت مثيرة للرعب، خاصة عندما شهدت تحول ما يمن تسميته بـ«المدينة الفاضلة» من جنة إلى جحيم، والحقيقة أن تلك التجربة تسببت في حالة من الخوف الشديد في جميع أنحاء العالم، القلق بات يسيطر على الجميع سواء تلك الدول ذات معدلات الرفاهية المرتفعة أو تلك التي يوجد بها كثافة سكانية عالية، حيث توجد تحذيرات متصاعدة من أن المجتعات البشرية قد تشهد ذات التجربة للإنسانية، فالواقع يقول إن التجربة التي وصفت بأنها التجربة الأخطر في العالم تتكرر وقائعها الآن في العديد من المجتمعات بصور مختلفة، بل هناك أشخاص وجهات ومؤسسات ودول يدفعون في سبيل انتشارها… فالواقع أن توفير كافة الموارد لمجموعة من الفئران في مكان أطلق عليه «الجنة»، في النهاية، لم يمنع انتشار الأمراض النفسية والشذوذ بينهم، بل وأكلوا لحم بعضهم بعضا، وقتلت الأمهات أطفالهن حتى انقرضوا جميعا، أليس هذا يتم استنساخه في الكثير من أنحاء العالم عن طريق نشر الأمراض والاوبئة والسلوكيات المنحرفة والعمل بقوة على تفكيك الأسرة وزيادة معدلات الجريمة واندلاع الصراعات والحروب .. أليست تلك التجربة تنذر بخطر شديد، وباتت مدخلاً مهماً لتحليل السقوط الحضاري للبشر خلال الـ 50 عاماً الماضية، بعدما أصبح البشر يعيشون في قمة الترف والبذخ، وأعلى مرتبات المدنية والحداثة والتطور التكنولوجي بالتزامن مع الانحدار السلوكي والأخلاقي، وفي ظل انهيار منظومة القيم الدينية والأخلاقية، لذا نحذر من السقوط المدوي للمجتمعات والانهيار المرعب.. انتبهوا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى